الأحد، 9 فبراير 2014

تا ريخ الظاهر





(الظاهر) الحي الذي أنشأ أساسه، سلطان مصر "بيبرس" وهو صاحب مسجد "الظاهر بيبرس" (أحد أقدم وأهم مساجد عصر الدولة الإسلامية) الذي ينتصف حي الظاهر الآن على مساحة كبيرة (14,500 متر) تعطي للمكان آصاله وتاريخ عريق, يمتد لأكثر من 500 عام وهو عمر الحي.

انتشر العمران في المنطقة المحيطة بالمسجد، امتدت شمالاً وجنوباً حتى الشرق والغرب، في تنسيق عمراني متميز خاصةً بعد انتقال المصريون لهذة المنطقة الجديدة التي كانت بمثابة المنتزه الراقي للقاهريين آنذاك, ومرت سنوات وعقود مُختلفة واختلف الحي من عصر الى آخر وحسب الظروف السياسية والاجتماعية التى مرت به, فبعد أن كان الحي الذي يأخذ طابعاً اسلامياً صريحاً أصبح أكثر الأحياء المصرية تجانساً بين العديد من الأديان،  وكذلك تنوعت مبانيه في التاريخ الحديث بين الطراز الإيطالي واليوناني والانجليزي والمصري, وحتى الآن تبقى مظاهر من هذا العمران والتنوع الحضاري، من خلال بعض المنازل القديمة والقصور والمساجد والكنائس والمعابد اليهودية التى انتشرت في أرجاء المنطقة قديماً بسبب وفود أعداد كبيرة من اليهود في فترة ما قبل ستينات القرن الماضي، وكذلك الطوائف المختلفة من الاقباط المصريون وغير المصريون من مسيحيين أرثوذكس وكاثوليك وأرمن و بروتستانت وغيرها, حتى أن هناك منطقة سكنية تُسمىَ بـ"بين الكنائس", يُعد حى الظاهر من أكثر الأحياء التى برزت في عصور إزدهار الليبرالية في مصر.


يعتبر حي الظاهر من أهم الأحياء التي دَعت للثقافة ونهضتها خاصةً في ستينات القرن الماضي حيث عصر التنوير وتشهد"الفجالة" المنطقة الأولى في حى الظاهر على هذة الحقبة العظيمة من تاريخ مصر فكانت المصدر الأول للكتاب والثقافة في القاهرة وربما في مصر-ذلك قبل ان تتحول مكتباتها لمراكز لتجارة السيراميك!- وانتشرت المكتبات والجمعيات الثقافية الخدمية وأبرزها "الجزويت" أو جمعية "النهضة الثقافية"التي أسسها مسلمون ومسيحيون لإحياء الثقافة المصرية بكافة أشكالها والتي مازالت تلعب دورها بشكل كبير, كذلك المدارس التي انتشرت في الحي تنوعت بين المدارس الانجليزية والفرنسية والقبطية والاميرية, وابرزها مدارس "الفرير"و"القديس يوسف" و"القديسة آنا" و"المارونية" و"الظاهر" و"الجلاء".


تأثر مجتمع "الظاهر" بعوامل اجتماعية غيرت من نسقه وقيمه وألوانه خاصةً بعد عام 1956 وهجرة العائلات ذات الأصول الغربية من الحي، وخاصةً الانجليزية والايطالية والفرنسية والأرمن واليهود، بعد أن صادرت مجموعة "الضباط الأحرار" أملاكهم في المنطقة وأراضيهم وأموالهم وتعرضوا للاضطهاد من بعض رجال الدولة مما أجبرهم على الهجرة من مصر وأدى ذلك الى إختفاء شريحة كبيرة كانت تسكن حي الظاهر قديماً.

أما حديثاً وبعد أحداث زلزال 1992 نزحت إلى المنطقة عائلات كثيرة بعد أن تهدمت منازلهم القريبة من الحي في أعقاب الزلزال وأتوا بثقافاتهم وعاداتهم وقيمهم التى لم تكن مُتجانسة مع ثقافة وقيم السكان الأصليين واستمرت نسبة المهاجرين الجدد للحي في زيادة مما حدثت كثافة سكانية في بعض المناطق حول قصر السكاكيني والمنطقة المحيطه به، وبدأ الحي يتحول من أحد الأحياء القاهرية الراقية إلى حي مُشتت بين المظاهر الشعبية ومظاهر الجهل والتخلف ومظاهر الثراء والترف، وهذا الشكل الاجتماعي الذي ساد مصر خاصةً في نهاية السبعينات لكن رغم كل هذا ظلت طبقة الحي "الوسطى" في ثبات وقوة، وهى الآن تمثل نسبة الثلث تقريباً من سكان الحي حيث أنه يعتبر من أكثر الأحياء حفاظاً على الطبقة الوسطى التي انهارت على يد مظاهر الانفتاح والتدهور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي, فانقسم الحي بين السكان أصحاب الثراء المادي والفقر الثقافي، وبين الفئة متوسطة الحال اقتصادياً واجتماعيا وثقافياً، وفئة أخرى عشوائية تمثل الطابع السيىء للحي في السنوات الأخيرة والتي أتت مع سلسلة هدم المنازل القديمة التي مر عليها اكثر من 80 عام وتم استبدالها بأبراج عالية لتزيد من كثافة المنطقة.

هناك رجال عُظماء عاشوا وانجذبوا للمنطقة التي جذبت كل الثقافات والأجناس وجمعتهم في تجانس اجتماعي واحد، ونرى أن الرئيس الفلسطيني الراحل "ياسر عرفات" سكن منطقة السكاكيني بحي الظاهر أثناء شبابه قبل أن يعود إلى وطنه فلسطين، وكذلك سكن المنطقة كثير من فنانين الماضي والحاضر وكانت محل جذب للادباء الذين سكنوها والذين لم سكنوها، مثل "نجيب محفوظ" الذي اعتاد الجلوس بمقهى "قُشتمر" بحي الظاهر وهو يكتب رواياته العالمية, وأيضاً المخرج العالمي "يوسف شاهين" حيث أنه قام بتصور كثير من أعماله بين جنبات المنطقة العتيقة, وبعدها أصبحت المنطقة مثل استوديو مفتوح للتصوير السينمائي, فلم يحدث ذلك بمحض الصدفة، لأن المنطقة ذات طابع مختلف في العمران والتخطيط , بالاضافة إلى بعض السينمات واستدويهات التصوير السينمائي التي شهدتها المنطقة في عصور ازدهارها مثل استدوديو"ناصبيان" ثان استوديو خاص في مصر الذي تم انشاؤه عام 1937وأنتج نحو 145 فيلماً للسينما المصرية والعربية يُعد أغلبهم علامة في تاريخ السينما.. ومن أبرز نواب الشعب عن دائرة الظاهر كان الاديب والسيناريست الراحل "سعد الدين وهبة" و"عبد الأحد جمال الدين" أستاذ القانون وئيس إتحاد الإذاعة والتليفزيون سابقاً.


https://www.facebook.com/ana.men.AL.zaher/photos_albums

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق